قصة اسيا زوجة فرعون
كانت آسيا بنت مزاحم على قدر كبير من الجمال والنسب وكانت زوجة فرعون مصر في زمن موسى عليه السلام. وكانت الملكة آسيا تنام على وثير الفراش وتلبس أفخم اللباس ، ويخدمها الجواري والحشم أنى تشاء. وفي ذلك الزمان يقال ان فرعون رأى في منامه انه يهلك على يد احد ابناء بني اسرائيل فما كان منه الا ان امر بذبح الأبناء الذكور من بني اسرائيل.
لم تكن آسيا راضيةً عن أفعال زوجها من علو وفساد في الأرض وقتله لأبناء بني اسرائيل. بدأت قصة أسيا بنت مزاحم حينما استقر أمام قصرها التابوت الذي يحوي موسى الرضيع ، فلما وجده الجواري وأحضروه لها لم يفتحوه ، وكانت هي أول من فتحه وألقى نظرة على ما به. ويا لروعة ما رأت من انوار تتلألأ في وجه طفل صغير ، نور النبوءة منبعث منه ويغطي بنوره نور المكان ، وما إن وقع بصرها عليه حتى أحبته حبَا شديدَا ، وكانت له حائط الصد من ظلم فرعون .
فلما جاء وأراد قتل الطفل ، منعته أسيا وقالت له : فلنتخذه ولدًا ينفعنا ، رفض فرعون في البداية ولكن تحت إلحاح من السيدة العظيمة أسيا وافق أن تربيه. فرحت كثيرًا بتلك الهبة التي بعثت لها ، وسمته موسى وأخذت تبحث له عن المراضع، ولكن الطفل لم يستجيب حتى أتت أخته التي كانت تتبع سير التابوت في اليوم ، وقالت أعرف مرضعة لن يرفضها موسى ، وعلى الفور أمرت السيدة أسيا بإحضارها ، فكانت يوكابد أم موسى .
وما إن حملته حتى لثمها الصغير وأخذ يرضع بطمأنينة دون بكاء. وتشاركت الاثنتين في حب موسى، الأم التي أنجبت وأرضعت والأم التي حمت وربت. كان موسى السراج الذي أضاء في قصر فرعون ، فلما علمت أسيا بأمر نبوته صدقته ولكنها لكم تعلن إيمانها خشية غضب فرعون. وذلك حتى علمت بأمر ما حدث من موسى مع السحرة بعد أن ألقى عصاه التي تحولت ثعبانًا عظيمًا التهم كل ثعابين السحرة .
تيقنت السيدة آسيا من دين موسى ، وشع نور الإيمان في قلبها ، وأعلنته حينما قتل فرعون ماشطة ابنته وصغارها لإيمانها بإله غيره وحتى الرضيع لم يرحمه فأنطقه الله حتى يثبت أمه ويصبرها على الابتلاء العظيم. لم تصمت السيدة أسيا عن الحق وهاجمت فرعون على ما فعل ، فالماشطة كانت مؤمنة بالله واعتبرتها أسيا أختها في الإيمان .
قالت أسيا لفرعون : يا ويلك ما أجرأك على الله ، فذهل فرعون وقال لها : هل جننتي وصابك الجنون كما صاب الماشطة ، فقالت له بل أمنت بالله رب العالمين فحاول إثناءها عما تقول ولكنها أصرت على قولها ، فأحضر أمها حتى ترى ما بها ولكن أسيا العظيمة ظلت على قولها ورفض نصح أمها .
فخرج فرعون على قومه وقال لهم : ما رأيكم بسيدتكم أسيا بنت مزاحم ، فأثنوا عليها وقالوا ليس في النساء مثلها ، فقال لهم : لقد كفرت بي واتبعت رب موسى ، فانقلبوا عليها وقالوا : إذن اقتلها ، وبعدها أمر فرعون بربطها في صخرة في شمس البلاد الحارقة دون طعام أو ماء ، فكان الله سبحانه وتعالى يرسل ملائكته ليظلوها من حرقة الشمس .
وظل فرعون يعذب زوجته حتى ترتد عن دين الله ، ولكن هيهات أن يرتد من يذق حلاوة الإيمان ، لقد طلبت السيدة أسيا من الله عز وجل أن يريها بيتها في الجنة حتى تسعد ، وبالفعل أراها الله بيتها فابتسمت وأخذت تضحك.
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) سورة التحريم
وكان فرعون حاضرًا في تلك اللحظة فقال لهم: أنظروا جنونها تضحك ونحن نعذبها ، وبعدها أمرهم أن يلقوا عليها بصخرة عظيمة ، فقبض الله روحها بسلام ونزلت الصخرة على جسد لا روح فيه .
وهكذا ضربت تلك العظيمة أروع الأمثلة في التضحية بكل غال ونفيس من أجل الله رب العالمين ، فهي لم تفكر في ملك ولا ثراء ، ولا حتى نجاة من الهلاك ، وقد كرمها الله سبحانه وتعالى على سائر نساء الأرض وجعلها من نساء العالمين وهم السيدة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وأسيا بنت مزاحم .