هو عبد الرحمن بن عوف، يُكنَّى بأبي محمد، وأُمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث.
كان لعبد الرحمن بن عوف عدة أسماء يسمّى بها في الجاهلية؛ منها عبد عمر، وعبد الكعبة، وعبد الحارث، ولكنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمَّاه عبد الرحمن بعد إسلامه.
أسلم على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، حيث كان من الصحابة الذين أسلموا قبل أن يدخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى دار الأرقم.
وأسلم على يد أبي بكر العديد من الصحابة أيضاً منهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم جميعاً.
بعد إسلام عبد الرحمن بن عوف هاجر الهجرتين، وعندما وصل إلى المدينة آخى الرسول بينه وبين سعد بن الربيع -رضي الله عنهما.
شهد المشاهد والمعارك كلها التي خاضها رسول الله، وثبت مع الرسول -عليه السلام- يوم غزوة أحد، ولم يقم بالفرار كما فعل غيره خلال الغزوة.
أول هجرة حدثت في الإسلام هي الهجرة إلى المدينة، فكان عبد الرحمن بن عوف من المُسارعين في الخروج وتلبية النداء من بني زهرة، فهو من المهاجرين إلى أرض الحبشة الهجرتين معاً وإلى المدينة المنورة، وهاجر معه إلى الحبشة في المرة الثانية عامر بن أبي وقاص.
آخى الرسول -عليه السلام- بين عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان في مكة، وبينه وبين سعد بن الربيع في المدينة.
المؤاخاة من الأعمال التي قام بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة قبل الهجرة إلى المدينة، ومن ثُمَّ في المدينة بعد الهجرة، فلا تعارض بين المؤاخاة في مكة وبين المؤاخاة في المدينة، ومن المواقف التي تذكر في المؤاخاة ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع؛ لما آخى الرسول بينهما عرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف شطر ماله وأن يطلق له أحسن زوجتيه، لكنَّه لم يقبل من ذلك شيئاً ودعا له بالبركة وطلب منه أن يدله على السوق، فما عاد إلا ومعه بعض اللبن والسمن،
في غزوة بدر الكبرى وقف عبد الرحمن بن عوف في الصف فإذا هو بين غلامين من الأنصار صغار السن، فتمنى لو أنَّه بين رجلين أشدّ وأقوى منهما، وعندما سمع منهما رغبتهما في قتل أبي جهل؛ لأنَّه كان يسبّ الرسول -عليه السلام-، تعجب من شجاعتهما وقوتهما، فأشار لهما عبد الرحمن بن عوف عليه، وأخبرهما بأنَّ هذا هو أبو جهل الذي تسألا عنه، فأسرعا إليه حتى قتلاه، ثمَّ انصرفا إلى النبي -عليه السلام-، فأخبراه بذلك، فقال لهما -عليه السلام-: (هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا) فنظر الرسول -عليه السلام- إلى سيفيهما ليرى أيُّهما أكثر انغماساً بالدم، فأخبرهما بأنَّ كُلاً منهما تشارك مع أخيه في القتل.
في غزوة أحد كان لعبد الرحمن بن عوف دورٌ كبير، حيث كان ممن ثبت يوم أحد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين هرب الناس، وقد أبلى بلاءً حسناً حين بدأ بالقتال حتى أحصى الناس في جسده إحدى وعشرين طعنة، ثُمَّ أصيب في ساقه، وسقطت بعض ثناياه، وقتل أسيد بن أبي طلحة، وكلاب ابن أبي طلحة، وبقي عبد الرحمن بن عوف يعرج برجله إثر إصابته بها إلى أن مات.
شهد عبد الرحمن بن عوف الغزوات كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فشهد غزوة بني النضير، والخندق، وغزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع)، وكان فارساً مقداماً، كما شهد غزوة بني قريظة، فقد أعطى النبي في هذه الغزوة سهمين للفرس وسهماً واحداً لصاحبه، وشهد غزوة ذي قرد، وشهد غزوة الحديبية، وكان الهدي في ذلك اليوم من أهل الغنى، فكان عبد الرحمن بن عوف منهم، فقد ساق بدنات له من المدينة وعاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، كما أنَّه كان من شهود الصلح بين المسلمين وقريش، وشهد غزوة خيبر، وكان فيها أحد الرؤساء وشهد أيضاً غزوة حنين وحصار الطائف
فتح عمر بن الخطاب في خلافته موسم الحج من سنة أربع عشرة للهجرة إلى سنة ثلاث وعشرين للهجر وأذن لزوجات النبي بالخروج للحج في آخر حجة حجها، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير من أمامهن، وعبد الرحمن من خلفهن، وحتى عند الوقوف لقضاء أمورهم، كانوا ينزلوا معهم في كل منزل، فينزل عثمان وعبد الرحمن في أول كل شعب حمايةً لهم، فلا يتركان أحداً يمر عليهن وقد وصف عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف بالعدل الرضي، وقد كان عبد الرحمن بن عوف يُفتي في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستمر على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب.
وصل عمر بن الخطاب في خلافته إلى النهاية، فقد بدأت تظهر عليه علامات الاحتضار؛ لأنَّه أُصيب بطعنة بسكين من أبي لؤلؤة المجوسي، فطلبوا منه الصحابة أن يضع خليفة من بعده، فأبى ذلك، وجعل الشورى في ستة من الصحابة، وكلهم من المبشرين بالجنة، وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم جميعاً-.
بعد وفاة عمر بن الخطاب اجتمعوا في بيت أحدهم وتشاوروا فيما بينهم، وكان من ضمن الحضور عبد الله بن عمر مشيراً فقط، وتداولوا بينهم حتى أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الخلافة، فانتقل دور تعيين الخليفة له، فعمل جاهداً ثلاثة أيام متواصلة يسأل الكبير والصغير من يوليها، حتى أجاب عثمان بن عفان، فبايعه عبد الرحمن وعلي بن أبي طالب والناس جميعاً، وعندما حضر طلحة بعد غيابه بايعه هو كذلك، وعندما تمت البيعة لعثمان بن عفان سنة أربع وعشرين بعث عبد الرحمن بن عوف على الحج، فحج بالناس في ذلك العام.