هو الصحابي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عمّ النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والدة علي فهي فاطمة بنت أسد بن عبد مناف من بني هاشم، بنت عمّ أبي طالب.
يكنّى علي -رضي الله عنه- بأبي الحسن، وبأبي ترابٍ؛ وهي كُنيةٌ أطلقها عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما وجده راقداً في المسجد وقد أصاب جسده التراب، بعد أن سقط الرداء عنه، فأخذ النبي يمسح التراب عنه، وهو يردّد: (قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ).
اختلفت الروايات في تحديد السنة التي وُلد فيها علي -رضي الله عنه-؛ فرُوي عن ابن إسحاق أنّه وُلد قبل البعثة بعشر سنواتٍ، وهو ما رجّحه ابن حجر العسقلاني، بينما رُوي عن الحسن البصري أنّه وُلد قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنةً، ورُوي عن محمد بن علي الباقر قولاً يُوافق قول ابن إسحاق، وقولاً آخراً أنّه وُلد قبل البعثة بخمس سنواتٍ، ونُقل عن الفاكهي أنّ علياً كان أول من وُلد في جوف الكعبة من الهاشميين، وقال الحاكم بتواتر الأخبار في ولادة علي في الكعبة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد تكفّل بعلي بعد أن أصابت قريش في إحدى السنوات أزمةٌ شديدةٌ تضرّر الناس بسببها، وكان أبو طالب كثير الأولاد، فأتاه النبي مع العباس؛ ليكفل كلٌّ منهما أحد أبنائه، فيُخفّفا عنه ضيقه؛ فكَفِلَ العباس جعفر، وكَفِلَ النبي علياً الذي آمن به بعد بعثته.
اشتُهر أبو طالب؛ والد علي -رضي الله عنه- بالسيادة والرئاسة في قريش، فكان أحد سادتها، وأبطالها، وعقلائها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد نشأ في بيته حين كان في كفالته ورعايته، كما نصره ودافع عنه بعد بعثته، ووقف سدّاً منيعاً أمام ضغوطات قريش؛ للتخلّي عن النبي، أو تسليمه إليهم، وقد تمنّى النبي هداية عمّه إلى توحيد الله، فجَهِدَ نفسه في حَمْلِه على الإسلام، والنطق بالشهادتين؛ لِما كان يحمله في قلبه من الحبّ الكبير له، إلّا أنّ أبا طالب بقيَ على دينه؛ خشيةً مِن أن تعيّره قريش بتركه دين الآباء والأجداد، وقد توفّي عن اثنين وثمانين عاماً، قبل هجرة النبي إلى المدينة المنوّرة بثلاث سنواتٍ.
والدة علي بن أبي طالب وهي فاطمة بن أسد -كما تقدّم القول-، مَنّ الله عليها بالهداية إلى توحيده، والإيمان بدعوة النبي، كما أنّها هاجرت إلى المدينة المنورة، وكان النبي يتردّد إلى بيتها، وقد تُوفِّيت في حياته، فصلّى عليها، وألبسها قميصه، ونزل في قبرها، وتولّى أمر دفنها، وأثنى عليها الثناء الحسن.
كان لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- العديد من الإخوة، أشهرهم ثلاثة، وهم: عَقيل، وطالب، وجعفر، وكان علي أصغرهم، وكانت له أختان، وهما: أم هانىء، وجمانة.
ذكر ابن إسحاق أنّ عليّاً بن أبي طالب دخل على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذات مرّةٍ وهو يُصلّي مع السيّدة خديجة -رضي الله عنها-، فسأله عن ماهيّة تلك العبادة، فبيّن له أنّها من شعائر الدين الذي اصطفاه الله لعباده، وأرسل به رسوله، وعرض عليه الإيمان برسالته؛ بتوحيد الله، والتبرُّؤ من الأصنام، فتردّد علي في القبول، وأراد أن يستشير والده في ذلك، فكَرِه النبيّ انتشار خبر الدعوة قبل أن يُعلنها بنفسه، فخيّر علياً بين الإسلام، أو كتم الأمر وعدم إعلام أحدٍ به، فبات عليّ ليلته تلك يُفكّر في أمر الدعوة حتى وقع الإيمان في قلبه، فغدا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- طالباً منه أن يُعيد عليه ما دعاه إليه أوّل مرّةٍ، فكرّر عليه النبيّ الشهادتَين، والتبرُّؤ من اللات والعُزّى، فأسلم عليّ، ونطق الشهادتَين، وكتمَ إيمانه؛ خشيةً من أبي طالب.
كان إسلام عليّ -رضي الله عنه- حين بلغ من العُمر ثماني سنواتٍ كما نُقِل عن عُروة، وقِيل إنّه كان قد بلغ من العمر أربع عشرة سنةً كما روى جرير عن المغيرة، وذكر الحسن بن زيد بن الحسن أنّه كان ابن تسع سنواتٍ حين إسلامِه، وثبت عن ابن عبّاس أنّه كان أوّل الناس إسلاماً؛ حيث كان يكتم إيمانه خوفاً من أبيه، في حين أظهر البعض إسلامه، وأعلنه، كأبي بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-.
ذكر ابن عبّاس -رضي الله عنه- قصّة فداء عليّ للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- حينما أراد المشركون التربُّص به، وقَتله؛ حيث نام علي ليلة الهجرة إلى المدينة في فراش النبيّ- عليه الصلاة والسلام-، فبات المشركون ليلتهم يظّنون أنهّم يحاصرون رسول الله في بيته، إلّا أنّه كان قد سار إلى الغار، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه، فتفاجؤوا بوجود عليّ نائماً في فراشه، فسألوه عن النبيّ، فأجابهم بأنّه يجهل مكانه، فتتبّعوا أثر النبيّ بعد ذلك؛ علّهم يجدوه بعد فشلهم في تنفيذ مُخطّطاتهم لقَتله،
ثمّ هاجر عليّ -رضي الله عنه- إلى المدينة بعد هجرة النبيّ إليها بثلاث ليالٍ بعد أن أدّى الأمانات التي كانت لدى الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى أصحابها؛ إذ كلّفه النبيّ بذلك.
شارك عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الغزوات جميعها، ولم يتخلّف إلّا عن غزوة تبوك؛ حيث استخلفه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يومئذٍ على المدينة المُنوَّرة
بُويِع لعليّ -رضي الله عنه- بالخلافة في أوائل السنة الخامسة والثلاثين للهجرة؛ حيث أجمع المسلمون مهاجرون وأنصار على اختياره خليفةً للمسلمين؛ لفضله ومكانته، فزانَ الخلافة، وشرَّفَها بقَدره وعدالته، فكانت بيعته بيعة اجتماعٍ ورحمةٍ بالأمّة.
وقد تغيّرت عاصمة الخلافة في عهده -رضي الله عنه-؛ بسبب التطوُّرات التي فرضت نفسها في تلك الفترة، فأصبحت الكوفة عاصمة الخلافة، ومحور الأحداث، بينما تحوّلت المدينة المُنوَّرة إلى ولايةٍ يرأسها سهل بن حنيف الأنصاري، ولم تتوسّع الفتوحات الإسلامية في عهد علي -رضي الله عنه-، بينما انتشر الإسلام بقوة في أذربيجان؛ بفضل الأشعث؛ والي الخليفة عليها.
كانت خلافة علي -رضي الله عنه- خلافةً راشدةً كأسلافه؛ إذ استمرّ تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ومراعاتها كما كان سابقاً، إلّا أنّ اهتمامات الناس في عهد علي -رضي الله عنه- تغيّرت؛ فأصبحوا ينظرون إلى أوضاع الولايات الداخليّة، بعد أن كان جُلّ اهتمامهم مُنصَبّاً على الفتوحات، ومناطق الثغور، وقد سار عليّ بالناس على نَهج عمر بن الخطّاب؛ فتشدّد في مَنح الأُعطيات للولاة؛ بسبب قلّة الفتوحات، واشتدّ على قريش؛ فمنع خروجهم من الجزيرة بعد أن تفرّق الناس في الأمصار.[
كانت لعليّ -رضي الله عنه- مكانةٌ عظيمةٌ عند النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد تربّى في حِجْره، وصُنِع على عَينه، فكان قريباً إلى قلبه، حائزاً عنده مقاماً رفيعاً، كما زوّجه النبيّ أحبّ بناته إليه؛ السيّدة فاطمة الزهراء، ونهى أمّته عن الإساءة إليه، وحَثّ المسلمين على مَحبّته، وأمرهم بمُوالاته.[٥] مناقب عليّ بن أبي طالب كانت لعليّ -رضي الله عنه- الكثير من المناقب، والفضائل، والتي يُذكَر منها اعتباره أحد الصحابة العشرة الذين بشّرهم رسول الله بالجنّة.
كان عليّ -رضي الله- عنه يعلم أنه سيموت قتلاً، فقد بشّره النبي -صلى الله عليه وسلّم- أنه سيُقتل شهيداً فقال: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَشْقَى الناسِ رَجلينِ؟ أُحَيْمِرُ ثمودَ الذي عقَرَ الناقَةَ، والذي يضْرِبُكَ يا عَلِيُّ عَلَى هذِه، حتى يَبُلَّ مِنْهَا هذِه)، يعني لِحيتَه.
وقد استُشهِد -رضي الله عنه- على يد ابن ملجم، حيث جلس يراقب موضع خروج عليّ -رضي الله عنه-، فلمّا خرج ذات يومٍ يوقظ الناس للصلاة ويقول: "الصلاة الصلاة"، ضربه ابن ملجم بالسيف إلى جانب رأسه، فسال دمه الشريف على لحيته،
واستُشهِد عليّ -رضي الله عنه- ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلةٍ مضت من رمضان من السنة الأربعين للهجرة، وكان عُمره ثلاثاً وستّين سنةً، وقِيل بضعٌ وخمسون،
وقد اختلف العلماء في مكان دفن علي رضي الله عنه، فقال ابن تيمية وابن سعد وابن خلكان -رحمهم الله- إنه دُفِن في الكوفة وتحديداً بقصر الإمارة، وقال عبد الله العجلي إنه دُفن بالكوفة بمكانٍ غير معلوم، أما الحافظ أبو نعيم فقال إنه دُفن بالكوفة ثم نُقل إلى المدينة المنوّرة بواسطة ابنه الحسن بن علي رحمه الله، وقال إبراهيم الحربي إن مكان قبر علي -رضي الله عنه- غير معلوم.