في يوم من الأيام ذهب جحا للسوق كعادته، لقد كان محبا لرؤية ومشاهدة والتعرف على كافة السلع الجديدة، كان معروفا بالسوق كله، وله كراهية من كثير من تجار السوق لإقباله عليهم وكثرة سؤالهم عن الأشياء، وبالنهاية لا يشتري شيئا ولا يفعل شيئا معهم سوى تضييع وقتهم والإثقال عليهم.
ونظرا لكره وبغض جميع التجار عليه، تجرأ أحدهم وأراد أن يلقن جحا درسا قاسيا لا يمكنه نسيانه على الإطلاق، استعان ببقية تجار السوق وأعلمهم بالأمر الذي بيته بنيته.
لم يرد الرجل التاجر أن يلقنه درسا فحسب، بل أراد أن يجعل منه أضحوكة أمام جميع من بالسوق، أعلم بقية التجار بأنه سيصفع جحا صفعة قوية على وجهه، وسيجبره بالأدب ألا يقتص منه، وألا يقاضيه وأن يسامحه في الحال أيضا، تراهن مع تجار السوق على قدرته على فعل كل ذلك، والكل أيده بفعل ذلك.
وبالفعل مر جحا على التاجر الذي توعد له بأن يلقنه الدرس، انتظر الرجل حتى انحنى جحا ليلتقط شيئا ويسأل عنه التاجر، وإذا به يأتيه من خلفه ويوجه إليه لطمة قوية على وجهه، فقد جحا توازنه وكاد يرتطم بالأرض لولا أنه استعاده في لمح من البصر، لقد استطاع أن يعيد إلى نفسه توازنه المختل، واستطاع أن يتفادى بذلك السقوط أرضا.
صمد جحا على قدميه ووجه بصره شاخصا للرجل الذي لطمه، وأراد أن يرد إليه صفعته ويقتص منه ويثأر لنفسه؛ ولكن التاجر أظهر لين بالكلام واعتذر إليه وأكثر من التأسف والندم، وبرر فعلته بأنه ظن بأنه نفسه رجل قد سرق منه بضاعة منذ زمن بعيد، وأنه أخطأ في ذلك حيث أنهما متشابهان في الملابس حتى أن عمامة جحا الذي يضعها على رأسه شبيهة بعمامة اللص السارق، طلب التاجر العفو والسماح من جحا على فعلته، ولكن جحا أبى أن يسامحه حيث أنه لم يتقبل عذره السخيف الذي قدمه إليه.
انقض جحا على الرجل وأرد أن يقتص لنفسه، ولكن بقية التجار حالوا بينه وبين التاجر، شهد جميعهم بأن التاجر يقول الصدق وأنه بالفعل تمت سرقته من رجل يشبهه، رأى جحا من أمرهم جميعا الحيلة والخديعة به، لذلك أعلمهم بأنه لن يتركه إلا بعدما يأخذ حقه منه بواسطة القاضي.
أعلموه بأنه بإمكانه أن يختار أحدا يحكم بينهما، فاختار جحا تاجرا ذا شأن عظيم بينهم، ولكن من سوء حظ جحا أن هذا التاجر كان يكرهه بشدة ولا يطيقه على الإطلاق!
التاجر الذي قد اختاره جحا للحكم بينه وبين الرجل الذي لطمه: “لماذا صفعت جحا دون سبب يا رجل؟!”
الرجل: “لقد اشتبهت به في أحد قام بسرقتي من قبل حيث أنه يرتدي ملابسا مماثلة للسارق، وقد تشابه علي الأمر”.
التاجر: “وهل طلبت منه العفو والسماح؟”
الرجل: “نعم فعلت”.
التاجر: “وهل تقبل منه اعتذاره يا جحا؟”
جحا: “لا، بكل تأكيد لن أقبله وإلا لما حكمتك بيننا، والآن أريدك أن ترد لي اعتباري وعلى مرأى الجميع كما فعل هو”.
التاجر: “هل كلاكما يقبل بأن أكون حكما بينكما؟!”
فأجابا بالإيجاب، وأشهدا جميع الموجودين بالسوق على ذلك.
فقال التاجر: “إذا أحكم أن تدفع أيها الرجل لجحا عشرين دينارا جزاءا على لطمك إياه دون سبب ودون حق”.
الرجل: “وكلني لا أملك الآن عشرين دينارا، فماذا أفعل”.
التاجر وقد غمز للرجل بطرف عينه: “لا مشكلة لدينا، اذهب وأحضرها وجحا سينتظرك هنا”.
كان جحا قد شك بأمر التاجر الذي حكمه، ولكنه لم تمالك نفسه بألا يتسرع في الحكم عليه، وانتظر ولا يزال ينتظر حتى مر الكثير من الوقت.
وفجأة نهض من موضعه، وسار للتاجر الذي حكمه بينهما، فرفع يده ولطمه على وجهه بقوة لدرجة أن عمته سقطت على الأرض!، كان الجميع قد اندهش من فعلته وردة فعله.
قال جحا للتاجر: “انهض من مكنك وابحث عن الرجل، وخذ منه العشرين دينارا فقد صارت حلالك الآن”.