“لقمان” لقد سميت باسمه سورة كاملة في القرآن الكريم، وتم ذكره أيضا في بضع آيات بالقرآن الكريم، وتوضح هذه الآيات كيف منح الله سبحانه وتعالى “لقمان” الحكمة، وأيضا نصائحه لابنه في أمور العقيدة والإيمان والسلوك القويم، وقد نشأ “لقمان” في أفريقيا، وقد كان أفطس الأنف، أسود البشرة، غليظ الشفتين وأجعد الشعر، وكان يجري ويلعب في الغابات ذات الأشجار العالية ويتسلقها، ويصعد الجبال الوعرة وكثيرا ما يمشي حافي القدمين، وكان ذلك سببا في تشقق قدماه، وغلظة عوده واشتداده، فنشأ “لقمان” قويا متينا، وكان اختلاطه الدائم بالطبيعة جعله دائم التأمل والتفكير في خلق الله وعظمة ملكوته في هذا الكون لقمان يختار الحكمة.
وفي إحدى الأيام كان “لقمان” يمشي في الأدغال، فجلس ليستريح بعض الوقت مستظلا بشجرة فغلبه النعاس، وفي المنام جاءته بشرى من الله عز وجل، فجاءه ملك من عند الله سبحانه وتعالى يبشره باختياره واصطفاءه من بين الخلق، فخيره الملك بأمر من الله سبحانه وتعالى أن يكون حكيما صالحا أو أن يكون نبيا، ولكن “لقمان” اختار الحكمة لخوفه من أن لا يستطيع تحمل أعباء النبوة، واستيقظ “لقمان” من نومه وقد شعر بأن قلبه وروحه يتجاوزان كل الآفاق البعيدة، وشكر الله على عظمته وخر ساجدا، قال تعالى “ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد” .
ووقع “لقمان” في أسر إحدى العصابات الدنيئة ليتم بيعه في سوق العبيد، ففقد حريته وإرادته، ولكنه صبر على ما ناله من أذى نفسي وجسدي وتحمل مصاعب حياة العبودية، وقد ظل طول فترة العبودية قلبه مليء بالإيمان ويدعي ربه أن يخلصه مما هو فيه.
وفي ذات يوم طلب منه سيده أن يذبح شاة وان يأتي بأسوء ما فيها، فذبحها “لقمان” وأحضر القلب واللسان، فتبسم سيده وفهم قصده، ومرت أيام قليلة ويطلب منه سيده أن يذبح شاة أخرى وأن يحضر أفصل ما فيها، فذبحها “لقمان” واحضر القلب واللسان أيضا، فتعجب سيده وسأله سيده كيف يكونان نفس الشيئان هما مصدر الطيب والخبث في نفس الوقت؟، وهنا تجلت حكمة “لقمان” جلية في الإجابة عن سؤاله فقال: “إنهم يا سيدي أطيب شيء إذا طابا، وأخبث شيء إذا خبثا”، ومنذ تلك اللحظة فقد علا شأنه وتغيرت معاملته كالرقيق.
وأذن الله أن يتحرر” لقمان” من العبودية، وانتشر صيت “لقمان الحكيم” وذاع وعرف عنه الناس الرأي الصائب والقول الحكيم والتدبير السليم، ومرت الأيام حتى أصبح قاضيا بين بني إسرائيل في زمن نبي الله داوود عليه السلام، فرجاحة عقله هي ما جعلته قاضيا وحكما عدلا، فازداد شهرة بين الناس.
تزوج “لقمان” وعندما كبر ابنه الأول هنا كان من واجباته عليه أن يعطيه بعض الحكم ويوصيه ليحيى حياة سليمة في العقيدة والسلوك القويم، وذكر قرآننا الكريم بأن “لقمان” نصح ابنه بالتوحيد والإخلاص لله وعدم الشرك بالله، وأوصاه عن العلاقة بين الأب وابنه، بأنه حتى لو كان الوالدين مشركين بالله فلا يتبعهما في دعوتهما، ولكن يجب أن يستمر في عبادة الله وحده وعدم الشرك به وابتغاء رضا الله عز وجل، وأيضا أن الرزق والسلطان وكل المقدرات هي بأمر الله وحده، ولا يستطيع احد أن يتحكم بها، وقال له أيضا عن الشكر لله وطاعة الله يكونان بالصلاة إليه، ففي الصلاة يخضع ويسلم الإنسان لقدرة الله، وأوصاه أيضا بأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن دونهما لن يكون الإنسان سلوكه قويما ولا سويا، والتعامل مع الناس بالتواضع، فالتواضع شعار المؤمن .