بقديم الزمان زعم البعض أنه كان هناك رجل مغفل قد شارك رجلا مخادعا في تجارة ما.
قام المغفل بدفع كل أموال البضاعة، أما المخادع فاتفق معه على أن يقوم ببيع كل التجارة.
اتفقا على التجارة سويا، دفع المغفل الأموال كاملة، وجهزا البضاعة وأعدا العدة ليسافرا سويا خارج البلدة ليجنيا الكثير من الأموال الطائلة لقاء تجارتهما ببلاد غريبة.
بدأت رحلة تجارتهما وطوال الطريق كلاهما كان لديه شغف بامتلاك الذهب والفضة.
واصلا رحلتهما حتى شعرا بالتعب وكادت الشمس حينها أن ترحل عن السماء معلنة عن وصول الليل والظلام…
المحتال: “دعنا نستريح هنا بهذه الواحة الهادئة حتى يحل الصباح، وباكرا بمشيئة الله نكمل رحلتنا للسوق”.
المغفل: “معك حق لفد تعبنا من هذه الرحلة ونحتاج لقسط من الراحة”.
المحتال: “إذا ساعدني في إنزال الحمولة عن البغلين”.
المغفل: “بالتأكيد سأساعدك، يا لهما من مسكينين، أنظر لحالنا أصابنا التعب والإرهاق الشديد ونحن لا نحمل أثقالا مثلهما، فما بالهما وهما يحملان بضاعة ثقيلة؟!”
المحتال: “يا لك من مسكين أنت؟!، بالتأكيد هما متعودان على كل هذه الأعباء”.
المغفل: “أنا سأجمع بعض الحطب من المكان قبل أن يحل علينا الظلام”.
المحتال: “أما أنا فسأعد الموقد وأجهز الأواني لطهي الطعام”.
وأثناء بحث المغفل عن الحطب عثر على كيس مملوء بالدنانير، لم يصدق ما رأته عيناه، وبعد أن أمسك بالكيس وقام بعد كل قطع الدنانير الموجودة به، فوجدها ألف قطعة، خبئها المغفل في ثيابه وحمل الحطب وعاد لصاحبه المحتال.
عندما عاد لصاحبه المحتال شعر الثاني بوجود شيء غريب، وقرر في صميم نفسه أن يعلم ما يخفيه عنه ذلك المغفل دون شعور ولا دراية منه بنيته التي يبيتها له.
أعدا الطعام وتناولاه وخلدا للنوم باكرا ليستيقظا باكرا ويتمكنا من الذهاب للسوق، وبالفعل بأول طلوع للفجر استيقظا من نومها وواصلا رحلتهما؛ أما بالسوق فقد كان للمحتال شأن عظيم ببيع التجارة جميعها وبربح لا بأس به على الإطلاق، فزاد المغفل إعجابا به وتكريما له.
وما إن أنهيا بضاعتهما حتى شدا رحالهما إلى موطنهما الأصلي، وبطريق العودة أراد المغفل اقتسام المال مع صاحبه المحتال، ولكن المحتال كانت لديه حيلة ماكرة انطوت على صاحبه المغفل…
المحتال: “اسمع يا صديقي إننا صرنا شريكان، ومسئولان عن بعضنا البعض في التجارة، الربح لنا والخسارة علينا، وكل ما يحدث معنا طوال رحلة تجارتنا لا يخص أحد سوانا”.
المغفل: “كلام موزون ولكن ما المغزى من قوله لي الآن يا صديقي، فأنا لا أفهمك على الإطلاق”.
المحتال: “شيء بسيط للغاية، صديقي ألم تجد شيئا عندما كنا بالواحة وخبأته عني ولم تخبرني به حتى الآن؟!”
شعر المغفل بالخجل الشديد: “نعم يا صديقي، لقد وجدت كيسا به ألف دينار، إنني حقا أعتذر منك بشدة على سوء تصرفي معك، ولكني الآن سأتقاسمه معك طالما نحن شركاء على السراء والضراء”.
المحتال فكر في نفسه وأراد الفوز بالمال كاملا لنفسه دون أن يعطي منه صاحبه الحقيقي من وجده من الأساس…
المحتال: “يا صديقي إننا لن نقتسمه نهائيا، بل إننا سندفنه تحت هذه الشجرة الكبيرة ولا نعود إليه إلا في الضيق، وعندما يحتاج أحد منا المال بشدة يأتي للآخر ونأتي هنا سويا نخرجه من أسفل الشجرة ونأخذ ما يكفينا منه ونعود أدراجنا من جديد”.
وبالفعل طمرا المال أسفل الشجرة وعادا سويا لأرض الوطن فرحين بربح تجارتهما ومقابلة الأهل والأحباب؛ وباليوم التالي عاد المحتال بالليل الحالك للشجرة وأخرج المال وأعاد التراب كما كان.
ومرت الكثير من الأيام واحتاج المغفل بعضا من النقود فذهب لصاحبه المحتال وطلب منه الذهاب معه من أجل إخراج المال؛ وهناك كانت المفاجأة حيث أن المغفل لم يجد أمواله أسفل الشجرة من الأساس، ذهل وكان حزينا للغاية، وقبل أن يسأل صاحبه المحتال عنها وجده يتهمه ويقسم بأنه هم من سرق ماله، وأخذه من يده وذهب به للقاضي…
المحتال: “يا سيدي القاضي إن هذا الرجل هو من قام بسرقة أموالي، أقسم لك بذلك يا سيدي القاضي، فأرجو منك يا سيدي القاضي أن تعيد لي مالي منه”.
المغفل وقد تلعثم في الكلام: “إنه مالي يا سيدي أنا من وجدته وقد احتال علي وجعلني أطمره بيدي أسفل الشجرة، وعندما ذهبت معه لنخرجه لم أجد شيئا، فمن منا الفاعل أنا أم هو؟!”
المحتال: “نسأل الشجرة يا سيدي القاضي”.
تعجب القاضي من حديث المحتال، ولكنه طاوعه في حديثه حتى يتبين له الأمر.
كان المحتال قد قام برشوة والده وجعله يدخل في تجويف الشجرة ويقول: “المغفل هو من قام بسرقة المال”، عندما يتم سؤال الشجرة عن السارق الذي سرق الأموال من أسفلها.
وما إن نطقت الشجرة تعجب من أمرها القاضي، وقام على لفور بإشعال النيران في حطب أسفلها ولكنه ذكر أنه سيشعل النيران بالشجرة نفسها كحيلة منه.
هنا خرج والد المحتال واعترف بكل شيء، أخذ القاضي منه أموال المغفل وأعادها إليه، أما عن المحتال ووالده فأوقع عليهما أشد العقوبة ليكونا عبرة لغيرهم.