ما أجمل تلك القصة التي نرويها لاطفالنا قبل النوم ، لترسخ في عقولهم فكرة وهدفا ساميا ، لتعلمهم شيء وفكرة جديدة دون ألزامهم بتنفيذها ، لتترسب في عقلهم الباطن ليحاولوا تحقيقها إنها حقا شيء هام ومفيد أن تقص على مسامع طفلك حكاية مفيدة لها هدف وغرض قبل أن ينام ليحلم بها في نومه ويحاول تحقيقها.
قصة الغراب والثعبان الأسود
كان يوجد عش لغراب في أعلى شجرة بأحد الجبال، وقد كان هذا العش على مقربة من جحر لثعبان أسود، وكان كلما فرخ الغراب ورزق بصغار كان يلتهمهم الثعبان الأسود في الحال، وكان ذلك يحزن الغراب على صغاره ويفطر قلبه فطرا.
فشكا الغراب أفعال الثعبان الأسود لابن آوى قائلا: “أرغب في أخذ رأيك في أمر ما عزمت على فعله”.
ابن آوى: “وما هو ذلك الأمر؟!”
الغراب: “لقد فكرت أن أذهب للثعبان الأسود بمجرد أن ينام، وأقوم بفقأ عينيه حتى يكف أذاه عني وعن صغاري الأبرياء”.
ابن آوى: “أيها الغراب المسكين بئس الحيلة التي عمدت إليها؛ اعهد إلى حيلة تمكنك من التخلص من الأسود دون الغدر بنفسك وتعريضها للخطر؛ وإياك ثم إياك أن تكون مثلك مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتل نفسه”.
الغراب بتعجب وفضول: “وما قصة هذا العلجوم والسرطان الذي قتله؟!”
ابن آوى: “لقد زعموا أن علجوم عشش بمكان كثير السمك، وعاش كثيرا من الدهر حتى أصابه الهرم ولم يستطع صيد الأسماك كما كان من قبل، وعندما أصابه ما أصابه من الجوع والجهد جلس يفكر في حيلة يلتمس بها الخلاص من كل معاناته، وبينما كان جالسا إذا بسرطان يمر بجواره، وقد فطن ذلك السرطان لحال العلجوم والذي لا يدل إلا على الحزن والكآبة، فاقترب منه متسائلا بصوت يغلب عليه الحزن على حاله: ما لي أراك حزينا كئيبا أيها الطائر؟!
فرد عليه العلجوم قائلا: وكيف لا أحون وقد كنت أعيش على ما أصطاده من السمك هنا؟!، لقد مر صيادان بجانبي، وقال أحدهما للثاني إن بالمكان كذا يوجد الكثير والكثير من الأسماك، لنصطادها ومن ثم نعود لنصطاد ما هنا من أسمكا كثيرة أيضا؛ فعلمت حينها أنهما سيعمدان لصيد كل الأسماك بالمكان الذي قصداه أولا، ومن ثم يأتيان هنا ليصطادا كل السمك هنا، فكيف لي أن أعيش هنا، ولم يعود موجود سوى هلاكي ونفاذ مدتي؟!”
فانطلق السرطان في الحال ليخبر جماعة السمك بما سيحدث قريبا ويحذرهم منه، وعلى الفور استجاب السمك وجاءت مجموعة منه للعلجوم: “لقد جئناك لكي تشير علينا وتنصحنا بما واجب علينا فعله تجاه ما علمنا من السرطان”.
ومن أكبر الأخطاء الذي يقع بها أحد ما أن يذهب كل ذي عقل ليأخذ النصيحة من عدوه؛ أشار عليهم العلجوم قائلا: “أما عن الصيادان فلا توجد عندي حيلة لإبعادهما، ولكني أرى هناك غدير بها أسماك كثيرة ومياه صافية، وأرى به الحياة الجميلة دون متاعبها وصعابها”.
ولكن ليس للسمك حيلة للوصول إلى ذلك الغدير الذي تحدث عنه العلجوم، لذلك أوكلوا إليه أمرهم بمساعدتهم جميعا بالوصول لذلك الغدير، وبالفعل باليوم التالي وكما أشار عليهم جاءته سمكتان ليقوم بحملهما بداخل جوف فمه والذهاب بهما للغدير الذي ذكره، وبالفعل حملهما العلجوم وآوى بهما لمكان بالقرب من التلال وغدرا بهما، وكان ذلك حاله بكل يوم تأتي إليه السمكتان لتكونا طعاما له وهما على ثقة بأمره.
ومرت الأيام على هذا الحال حتى جاء اليوم الذي أراد به السرطان أن يذهب للغدير حيث ضاق ذرعا من الحياة بهذا المكان وتطلع للذهاب للغدير حيث الحياة الأكثر هدوءً على الإطلاق.
وبينما كان يحمله العلجوم ووصل به للمكان الذي يقصده دوما، لاحظ السرطان عظام الأسماك وعلم أنها عائدة للعلجوم فظفر به حيث وضع كلبيه على رقبة العلجوم فخر الآخر قتيلا، وعاد السرطان للأسماك الباقية وأعلمهم بحيلة العلجوم وأنه ثأر للأسماك التي خانها وقتلها”.
واستكمل ابن آوى قائلا: “لقد ذكرت لك قصة العلجوم الذي احتال على السرطان فقتله السرطان بدلا من أن يقتله، أردت أن أريك أن هناك من الحيل ما تقتل أصحابها، ولكن سأدلك على حيلة تتمكن من خلالها إهلاك الثعبان الأسود والنجاة بنفسك”.
الغراب بكل اشتياق: “وما هذه الحيلة؟!”
ابن آوى: “تنطلق محلقا في الهواء متبصرا على حلي ثمين لإحدى بنات الأثرياء، وما إن تجده تخطفه وتحلق ليس بعيدا عن الأنظار ليتبعك أصحابه، ولا تزال تحلق عاليا حتى تصل لجحر الأسود فتسقط الحلي بداخله؛ وما إن يراه أصحابه ينطلقون خلفك فيأخذون الحلي فيجدون الأسود ويقومون بتخليصك منه نهائيا”.
وبالفعل نجح الغراب في تنفيذ الخطة المرسومة له من قبل ابن آوى، وتخلص من الثعبان الأسود دون أن يصيب نفسه بأي أذى، ووضع فراخه وكان سعيدا بحمايتهم للغاية والحفاظ عليهم من كل سوء.