ذات يوم قدم رجل عجوز من الجبال النائية إلى إحدى المدن، كان ذلك الرجل قد قطع مسافة بعيدة للغاية وكان قد أجهده السير لكل تلك المسافة فشعر الرجل المسكين بالعطش الشديد، وبعدها بلحظات خر على الأرض من كثرة تعبه وعطشه الشديدين، لم يستطع الرجل أن يخطو خطوة واحدة فتمنى حينها تفاحة واحدة يتمكن من أكلها لتروي ظمأه ليتمكن من إكمال مسيرته والوصول إلى وجهته لتحقيق غايته.
وفجأة بينما كان الرجل العجوز ملقى على الأرض لا يقوى على النهوض تدحرجت تفاحة شهية بجواره فتعجب الرجل وظن أن الله استجاب لأمنيته ولكن صاحب التفاحة التقطها على الفور، سأله الرجل العجوز ليعطيها إياه ولكنه أبى إلا أن يعطيه النقود مقابلها، وكيف له أن يعطيه نقودا وهو لا يملكها ففاقد الشيء لا يعطيه، وما كان من الرجل إلا أن توسل إليه من شدة الألم الذي يشعر به ولكن البائع لم يستجب لكل توسلاته إذ أنه كان قاسي القلب ومحبا كثيرا للأموال ولا يملك ذرة رحمة بقلبه.
وفي تلك الوقت مر رجل من رجال المدينة فرأى الرجل العجوز ساقطا على الأرض فاقترب منه ليطمئن عليه، وعندما علم بأن ما به من ألم بسبب عطشه الشديد تلفت الرجل يمينا ويسارا فلم يرى إلا بائع التفاح فأخرج نقوده ولكنها لم تكن كافية لشراء تفاحة واحدة حتى، فحمل رجل المدينة طيب الأخلاق الرجل العجوز وذهب به إلى بائع التفاح ليسترق قلبه ويحن فيعطي العجوز تفاحة واحدة حتى وإن كانت أسوأ من فيهن، ولكنه رفض وأخبرهم بأن بضاعته ليس بها السيئ وأنه لن يعطيهما دون مقابل.
غضب الرجل الكريم وصار ينادي بعلو صوته وبكل ما أوتي من قوة ليسير سخط أهل المدينة على ذلك البائع البخيل ومن ثم نزع قبعة رأسه وطلب من كل الموجودين مساعدته على إنقاذ ذلك العجوز المسكين، فكل واحد منهم وضع بداخلها ما استطاع عليه، وكانت النتيجة أن الرجل الكريم تمكن من جمع الكثير والكثير من الأموال التي ألقاها على الفور في وجه البائع الحقير لدرجة أن كل مال تساقط قام بجمعه والرجل لم يأخذ إلا تفاحة واحدة وعلى الفور وبسرعة فائقة أعطاها للعجوز المسكين الذي قام بالتهامها ولم يترك بها شيئا إلا بذورها.
قام العجوز بعدما استرد كامل قوته وصحته بعد أكله لتلك التفاحة بإخراج إزميل من حقيبته وعمد إلى حفر حفرة صغيرة بالأرض التي يقف عليها، ووضع بها تلك البذور وقام بريها وحالما وضع عليها قطرات الماء تفرعت على الفور الجذور والسيقان والأوراق، ومن ثم صارت شجرة كبيرة ضخمة امتلأت بالأزهار التي تحولت على الفور إلى ثمار تفاح لذيذة وشهية ولافتة للأنظار، فتعجب كل الموجودين مما فعله ذلك العجوز، فقال العجوز لكل الموجودين: “هذا جزاء طيبي القلب، كل منكم يحمل ما يشاء من تلك الثمار الشهية”.
قام الجميع بحمل ما استطاع من ثمار التفاح، وملأ العجوز سلة كبيرة بأطيب الثمار وأعطاها لرجل المدينة طيب القلب عرفانا له بالجميل وأخبره قائلا: “لن أنسى ما قدمت لي بيوم من الأيام”.
تبسم رجل المدينة وشكر الرجل العجوز على ما فعله من زرع شجرة في لا وقت؛ وبعد مرور وقت ليس بالكثير كان سكان المدينة قد حملوا كل ثمار التفاح من الشجرة، وبسبب ما فعله العجوز بتقديم ثمار التفاح الكثيرة واللذيذة لكل من بالمدينة كسدت تجارة البائع البخيل وفسدت كل ثمار التفاح التي معه، وأهل المدينة استمروا في أكل تلك الثمار ولم تفسد لمدة شهور؛ ومن ثم قام العجوز بقطع الشجرة وحملها وذهب منطلقا في استكمال مسيرته إلى الجبال النائية من جديد.