ما أجمل تلك القصة التي نرويها لاطفالنا قبل النوم ، لترسخ في عقولهم فكرة وهدفا ساميا ، لتعلمهم شيء وفكرة جديدة دون ألزامهم بتنفيذها ، لتترسب في عقلهم الباطن ليحاولوا تحقيقها إنها حقا شيء هام ومفيد أن تقص على مسامع طفلك حكاية مفيدة لها هدف وغرض قبل أن ينام ليحلم بها في نومه ويحاول تحقيقها.
العم صابر فلاح بسيط يزرع أرضه بجد ونشاط ، يقوم مبكرًا كل يوم ليقوم بأعمال الزراعة ، وكان يساعده في عمله ابنه عجلان ،وكان لديه ثوران يقومان بحرث الأرض هما : الثور هوران والثور ركزان
كان الثور ركزان ثورًا هادئًا يحب عمله ويجتهد فيه ، وتملأ نفسه السعادة عندما يرى الألوان الزاهية للزروع ، والروائح الذكية للأزهار والثمار … أما الثور هوران فكان غير راضٍ عن وضعه وحاله ،وكان يرى أنه يجب أن يسعى لحياة أكثر إثارة ومتعة من حياته الحالية التي يعتبرها حياة رتيبة
ظهرت النبات واخضرت الأرض ،فقال الثور ركزان : انظر إلى هذا الجمال يا ثور هوران.
– ما هو الجميل في هذا يا ثور ركزان ؟ كل الأرض في الدنيا مليئة بالزرع ، ماذا ترديني أن أرى ؟
– ألا ترى هذا الخير الذي يملأ المكان ؟
– هذا الخير هو للعم صابر ، أما نحن فلا شيء لنا .
– كيف هذا يا هوران ؟ إننا قد شاركنا في إنتاج هذا الخير ، ويعود عليها بسعة في الرزق ، وزيادة في الطعام ، وينشئ جو الحب والرخاء الذي نعيش فيه .
أنت ثور محدود النظر يا ثور ركزان ، إنني أتطلع إلى متعة أكثر في الحياة .. وفي هذا الأثناء جاء الابن عجلان إلى المزرعة ، وسمع ما يدور بين الثورين ، فقال : انا أيضًا أهوى الإثارة والمتعة مثلك يا ثور هوران ، فابتسم الثور هوران
وقال : كيف نحقق امنياتنا يا عجلان ؟ أين الإثارة في مزرعة نائية ومحراث قديم ؟
– سمعت أن هناك مباريات تقام لمصارعة الثيران يقبل عليها الناس ، ويدفعون أموالاً كثيرة ، وينال المشاركون فيها شهرة كبيرة وأموالا طائلة.
– دعنا نشترك فيها ، فأنا أحب الإثارة والمتعة والشهرة .
– ولكن دعنا نسأل أولا عن أحوال اللعب وشروطه.
– لا تتأخر علي، فأنا في أشد الشوق للاشتراك في هذا المسابقات.
ذهب الابن عجلان ، وعرض على المنظمين لهذه المسابقات فكرة اشتراك الثور هوران ، فطلبوا رؤيته .
فرح الثور هوران بالعرض ، وأخذ يقفز فرحًا بالعرض الجديد .
قال الثور ركزان لأخيه هوران : هل سألت عن هذه المسابقات يا ثور هوران ؟
– لا داعي للسؤال يا ثور ركزان ، المهم أن أجد الإثارة والشهرة .
– لعلك تجد الإثارة والشهرة، ولكن لا تجد السعادة.
جاء الابن عجلان ، وأخبر الثور هوران أنه سوف يشارك في هذه المسابقات . ذهب الاثنان سويًّا ، وأبدى الثور نشاطًا ومهارة ، أثارت إعجاب المنظمين للمسابقات ، وكان الثور هوران سعيدًا بإهتمام الناس به ، وتحيتهم له في المباريات التدريبية .
ثم بدأ المشاركة في لمسابقات حقيقية ، وبدأ يشعر بالخطر ، خطر الموت والإصابة ، وقد جرح عدة مرات ، وتم علاجه ليدخل المسابقات التالية . وكان يتعجب من الهتاف والتحية من الناس وهم يرون سباق الموت بينه وبين المصارع، ولكنه عزم على الاستمرار حتى يصعد سلم الشهرة.. وفي مباراة كبيرة حضر الثور هوران قرب حلبة الصراع ، وأخذ يراقب المصارع الذي سوف يصارعه في المبارزة ، لقد وقف المصارع أولاً مع أسرته وأطفاله ، واحتضنهم قبل الصعود إلى الحلبة .. بدأت المباراة ، وبدأت هتافات الجماهير تعلو ، وأخذت الثور هوران النشوة وأخذ يهاجم بكل قوة ، والمصارع يفلت من هجماته ، والهتافات ترتفع من سخونة المباراة .
وقف المصارع يحيى الجماهير ، وفي هذه اللحظة انقض عليه الثور هوران بضربة قوة بقرونه ، لم يستطع المصارع الإفلات منها ، فأصابه إصابة قوية في بطنه ، فخرج الدم منه غزيرًا ، وتلوثت قرونه بالدم ، وسقط الرجل على الأرض ، والجماهير تهتف للثور هوران ، والرجل يلفظ أنفاسه .
أسرع الأطفال إلى أبيهم يقبلونه ويبكون ، والجماهير تهتف ، والثور هوران يقف شامخاً ، منتظرًا ملوثة قرونه بالدم .
وهنا انتبه الثور هوران إلى ما يجري حوله ، ورأي بعينيه دموع الأطفال فقال لنفسه : ماذا فعلت يا ثور هوران ؟ هل هذي هي الإثارة التي تحرم الأطفال من أبيهم ؟ ألا فلتذهب الإثارة إلى الجحيم .
انطلق الثور هوران من الحلبة يجري خارج ساحة الجماهير ، فاستوقفه المنظمون للحفل ، وقالوا : هنيئًا لك ، لقد فزت اليوم يا ثور هوران .
– علام تهنئونني ؟ على أني حرمت الأطفال من أبيهم ؟
– هكذا اللعب والإثارة يا ثور هوران .
– عرفت الآن قيمة ما قاله أخي الثور ركزان ، ألا ما أسعد حياتك يا ثور ركزان ! تقيم الحياة وتنميها ، في حين أنا هنا أدمر الحياة وأهدمها .
– ماذا تقول يا ثور هوران ؟
– أريد أن أعود إلى بيت العم صابر.
– كي تحرث الأرض ، بعد ما حققت كل هذه الشهرة .
– نعم ، أريد أن أعود إلى بناء الحياة السعادة .
وفي اليوم الثاني كان الثور هوران يجر المحراث مع رفيقه الثور ركزان ، وهو سعيد ويقول : أعرف الآن أن السعادة هي بناء الحياة