يُعتَبَر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبيّ مُؤسِّس الدولة الأيوبيّة؛ فقد كان سلطاناً لكلٍّ من سوريا، ومصر، وفلسطين، واليمن، وقد حاز على شُهرة كبيرة كأحد الأبطال المسلمين الذين واجهوا الحملات الصليبيّة؛ حيث نَجح في استرداد القدس في الثاني من أكتوبر من عام 1187م، وبهذا يكون قد ساهم في إنهاء حِقبة الفرنجة التي استمرَّت إلى ما يُقارِب تسعة قرون.
يَنحدر صلاح الدين الأيوبيّ من عائلة كُرديّة كَريمة الأصل، تُنسَب إلى قبيلة كُرديّة تُعرَف باسم الرواديّة، وهي إحدى أكبر قبائل الأكراد، حيث مَلَكَت تلك العائلة كلّاً من الشام، ومصر تحت دولة واحدة عُرِفَت باسم الدولة الأيوبيّة، وقد وُلِد صلاح الدين يوسف بن أيّوب في عام 532 هــ، الذي يوافق 1137م، في قلعة تكريت التي تقع في بلدة قديمة قريبة من بغداد، وكانت من القلاع الحصينة التي تُطلُّ على دجلة، وقد بُنِيت على يد ملوك الفُرس منذ القِدم، وكانت مَرصَداً لمُراقَبة الأعداء، كما أنّها كانت تحتوي على عدّة مخازن لحِفظ الذخيرة، ومن الجدير بالذِّكر أنّها فُتِحَت على يد المسلمين أيّام الخليفة عمر بن الخطاب في العام السادس عشر للهجرة، وظَلَّت تكريت تتنقَّل بين عدّة دُول مُسلمة إلى أن اتّصل والد صلاح الدين الأيوبيّ (أيّوب بن شاذي) برجل من الرئاسة في الشرطة السلجوقية في مدينة بغداد، وهو مجاهد الدين بهروز؛ ممّا جَعل والد صلاح الدين الأيوبيّ حاكماً على قلعة تكريت.
وُلِد صلاح الدين في اليوم الذي أمر فيه والي بغداد (مُجاهد الدين بهروز) كلّاً من نَجم الدين، وشيركوه، بمغادرة مدينة تكريت، خوفاً عليهما؛ وذلك لأنّ عمّ صلاح الدين الأيوبي (شيركوه) قَتَل أحد قادة القلعة؛ بسبب إيذائه لامرأة في شَرفها، وانتقاماً للشرف والمروءة عندما استغاثت به تلك المرأة، فخرجا إلى (الموصل) مع أُسرتَيهما، وقد وُلِد صلاح الدين في تلك الليلة؛ ممّا جعل والده أيّوب يتشاءم من مولده، وكاد أن يقتلَه حينما كان يَصيح وهم خارجون من المدينة، إلّا أنّ أحد أتباعه حذّره من القيام بذلك قائلاً له:"يامولاي، لقد رأيت ما حدث عندك من الطِّيرة والتشاؤم بهـذا الصـبيّ، وأيّ شـيء لـه مـن ذنب؟ وبمَ استحقَّ ذلك منك وهو لا ينفع ولا يضرّ، ولا يغني شيئًا؟ وهذا الذي جرى عليـك قضـاءٌ من اللّه سبحانه وتعالى وقَدَر، ثمّ ما يدريك أنّ هذا الطفل يكون ملكًا عظيم الصِّيت، جليل المقـدار، ولعلّ اللّه جاعلٌ له شأناً، فاستَبِقه فهو طفل ليس له ذَنب ولا يعرف ما أنـت فيـه مـن الكَدر والغَمّ".
قضى صلاح الدين الأيوبيّ طفولته الأولى في مدينة بعلبك، وقد ذهب إلى مكاتب التعليم حتى يحفظ القرآن الكريم، ويتعلَّم الكتابة والقراءة، وقد تعلَّم قواعد اللغة العربية، ومبادئ النحو، على يد عدد من العلماء، وأجمع المُؤرِّخون على أنّ صلاح الدين قد استفاد من العلماء الذين وفدوا إلى الشام أيّام الأمير نور الدين، وأنّه استمع إليهم، خصوصاً عندما كان يذهب إلى الجامع الأمويّ ويستمع إلى مُحاضَرات عبد الله بن أبي عصرون، وقد تعلَّم الرّمي، والولوع بالصَّيد، والفروسيّة، كما تدرَّب على الأعمال الحربيّة.
بدأت حياة صلاح الدين الأيوبيّ المهنيّة عندما انضمّ لعمّه أسد الدين شيركوه، الذي كان قائداً عسكريّاً تحت إمرة نور الدين، وقد انضمّ صلاح الدين إلى ثلاث بِعثات عسكريّة كانت بقيادة عمّه شيركوه، وكانت إحدى تلك البِعثات إلى مصر؛ لمَنع سُقوطها في يد الفرنجة، وفي عام 1169م حدث صراع ثلاثيّ بين ملك القدس الأوّل، وبين شيركوه، وبين شاور وزير الخلافة الفاطميّة في مصر، وبعد وفاة شيركوه واغتيال شاور، أصبح صلاح الدين الأيوبيّ قائداً للقوّات السوريّة في مصر، حيث كان يَبلغ من العمر 31 عاماً.
غزا صلاح الدين الأيوبيّ الشواطئ الشماليّة من قارّة أفريقيا، وبعد ذلك حرص على احتلال كلٍّ من دمشق، واليمن، ومن ثمّ غزا سوريا، وفلسطين، وكانت تلك هي بداية مُحارَبة صلاح الدين للصليبيّين، الأمر الذي جعل حُكّام القدس اللاتينيّين يبدؤون في الدفاعِ عن أنفسهم، إلّا أنّ جهوده لم تُفلح في غزوهم في مخابئهم الجبليّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ صلاح الدين الأيوبيّ غزا كلّاً من حلب، والموصل؛ ممّا جعله أحد المُحاربين المسلمين العظماء.
بعد أن استطاع صلاح الدين الأيوبيّ تكوين مملكة عظيمة تمتدُّ من شمال العراق، إلى كلٍّ من برقة، ومصر، والشام، بدأ يُعِدُّ العُدّة من أجل غزو الفرنجة، وتخليص بيت المقدس والبلاد الخاضعة لهم من أيديهم، فكان يتحيّن الفرصة المناسبة للهجوم عليهم؛ بهدف إعطائهم درساً لا يُنسى؛ وذلك بسبب الجرائم والفظائع التي أحدثوها في المسجد الأقصى وبيت المقدس، وقد أتيحت له الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك عندما اعتدى أمير الكرك أرناط على قافلة تجاريّة تَخصّ صلاح الدين الأيوبيّ، وذلك في العام 582هــ، إذ كان بين أرناط وصلاح الدين الأيوبيّ هُدنة تسمح بمرور القوافل الإسلاميّة بين الشام ومصر بشكل آمن.
وبعد ذلك الاعتداء هيّأ السلطان صلاح الدين الأيوبي جيوشه، وجمع العُدّة، وهيّأ كتائب المجاهدين؛ من أجل القضاء على الفرنجة، واسترداد بيت المقدس، مهبط النبوّات، فأعلن صلاح الدين الجهادَ في كلّ البلاد، وعَسكرَ في مدينة بالقُرب من مدينة بُصرى في ما يُعرَف بقَصر السلامة، وبَقِيَ في تلك المنطقة إلى أن مرَّ الحُجّاج بسلام، وقد دعا الحُجّاج لصلاح الدين بالنُّصرة والغَلبة، وبعد ذلك نظّمَ صلاح الدين الجُموعَ، وحَدّدَ توقيت المعركة في السابع عشر من ربيع الآخر من عام 583م بعد صلاة الجمعة.
خرج صلاح الدين من دمشق، حيث وَصل إلى رأس الماء، فجعله مكاناً لاجتماع الجيوش، وبَقي وَلده (الملك الأفضل) برأس الماء فيما ذهب هو إلى بُصرى، وذهب (مُظفَّر الدين كوكبري) إلى عكّا، ومن ثمّ ذهب صلاح الدين إلى الكرك، والشوبك، وعاد إلى طبريّا، وبعد أن عَلِم الصليبيّون باتّساع خُطّة صلاح الدين ضدّهم، حَشدوا الجموع وتوجَّهوا إلى طبريّا، وتقابل الفريقان في موقع يُسمَّى (حِطّين)، وما إن أشرقت الشمس الحارقة وانتشرَت، حتى ساعدت المسلمين على هزيمة أولئك العِطاش من الصليبيّين؛ وذلك لأنّ المسلمين احتلّوا مواقع المياه، وهجم صلاح الدين على الفرنجة بشكل عنيف؛ ممّا عمل على تفريق فرسانهم، وبعد تلك المُواجَهات الضارية، انتصر صلاح الدين الأيوبيّ بشكلٍ حاسم، وهُزِم الصليبيّون هزيمة نكراء، وبلغَ عدد القتلى عشرات الآلاف، ولم يفلت منهم أحد ما بين أسيرٍ، وقتيلٍ. وفاة صلاح الدين الأيوبيّ تُوفِّي صلاح الدين الأيوبيّ في الرابع من شهر مارس من عام 1193م، في مدينة دمشق السوريّة.