في ممكلةٍ بعيدةٍ وفي زمانٍ بعيد جداً كان يعيش ملك في مملكة كبيرة يحكمها .. وكان لذلك الحاكم ساحر.
وتقدّم الساحر بالعمر وطلب من الملك غلاماً صغيراً لكي يعلمه فنون السحر لصير له خليفةً بعد موته.
وبالفعل، أحضر الملك غلاماً ذكياً لعلمه الساحر فنون السحر، وكان الغلام يذهب للساحر كل يومٍ ليتعلّم منه، وفي طريقه كان هناك راهب تعرّف على الغلام بالصدفة.
وأعجب الغلام بالراهب كثيراً وصار يتردّدُ عليه كل يومٍ أثناء عودته من عند الساحر، فكان الراهب يكلّمهُ عن الله وقوته وجبروته وأنّ قادرٌ على كل شيء وأمرهُ بين الكاف والنون.
ثم يذهب للساحر الذي يكلمه ويعلمه الشعوذة وخداع الناس والتعامل مع الشياطين وأنّه بالسحر يمكنه أن يفعل كلّ شيء .. وهذا ما أصاب الغلام الصغير بالحيرة.
فكان لزاماً عليه أن يختار طريقاً من اثنين إمّــا طريق الراهب أو طريق الســاحر.
وذات يومٍ وبينما كان الغلام يسير في الطريق إذ به يتفاجيء بدابّةٍ كبيرة تحولُ بين الناس والطريق وتعطّل عليهم الوصول للجانب الآخر.
وهنا تذكّر الغلام كلام الراهب ودعا الله ليساعده ورمى بحجرٍ أصاب الدابّة فوقعت أرضاً، فأدرك صدق الراهب وأتاه على الفور ليخبرهُ بما حصل، فأخبره الراهب بأن هذا من توفيق الله.
ومع مرور الوقت أخذت شعبية الغلام بالإتّساع بين الناس، فقد منّ اللهُ عليه بمعالجة الناس من الأمراض كالعمى والبرص بأمره، وكان ذلك سبباً في اقتراب الناس من الله أكثر لأنّ الغلام كان دائماً ما يخبرهم بأنّ الشافي هو الله وليس هو.
وكان من بين هؤلاء الذين شفاهم الله على يد الغلام جليس الملك وكان من المقربين منه وقد شفاهُ الله من العمى.
وما أن شاهد الملك صديقهُ قد عاد لمجلسة مُعافاً حتّى أصابتهُ الحيرة فأخبرهُ بأنّ الغلام هو السبب في علاجه وأن ما حدث لم يكن بالسحر بل بقدرة الله تعالى.
وما أن سمع الملكُ ذلك الكلام حتّى أصابهُ الغضب الشديد، فهو الذي كان يدّعي الألوهية ويخبر جميع من في المملكة بأنّ كل شيءٍ فيها بأمرهِ هو .. وعذّب الرجلُ الذي شفي من العمى عذاباً شديداً لكلامه.
وأمر بالغلام، فأتى الغلام وقال مثل ما قال الرجل بأنّ الشافي هو الله وحده وأنّه الوحيد المستحق للعبادة، فقام الملك بإغراق الغلام في بحر العذاب حتّى دل على الراهب.
عذّب الملكُ الجليس والراهب لعلّهم يعودوا لصوابهم ولدينهم، إلّا أنّهما تمسّكا بالله فقتلهم الملك .. وجاء دور الغلام.
فطلب منه الملك أن يرجع عن دينه، فأبى الغلام إلّا التمسّك بالله فأمر الملكُ جنوده بأخذه ورميه من فوق أحد الجبال القريبة، وما أن وصلوا للجبل حتّى ارتجّ فوقع كلّ من كان عليه إلّا الغلام.
وعاد الغلامُ للملك سليماً مُعافاً وأخبره قائلاً : “لقد كفاني الله جنودك أيها الملك” فطلب منهم أخذه للبحر وإلقائه فيه، وأغرق الله جنود الملك ونجى الغلام بقدرة الله.
وعاد الغلامُ للملك من جديد، فصدم الملك ممّا رأى من الغلام، وهنا أخبرهُ الغلام بأنّهُ لن يتمكّن من قتلهِ إلّا بذكر اسم الله وأن يرميه بسهمٍ من كنانته بعد جمع الناس في مكانٍ واحد.
وجاء اليوم الموعود سريعاً واجتمع الناسُ بصعيدٍ واحد والغلام مربوط بجذع شجرة، فقال الرامي : “باسم الله رب الغلام” وأطلق السهم فأصاب الغلام ووقع ميتاً على الأرض .. فثار الناسُ على الملك !.
وءامن كل من رأى المشهد بالله وحده وكفروا بالملك وبسحرته، أصاب الملكُ الجنون والغضب من ذلك، وألقى إليه الشيطان بفكرة خبيثه وهي إقامة أُخدود عظيم (حفرة كبيرة جداً) وأن يُشعل بها النيران العظيمة ويُلقي فيها كل من لا يرجع عن دينه.وبدأ الجنود بتنظيم الناس ويلقون في الأخدود كل من لا يرجع عن دينه بعد أن يسألوه، هل سترجع ؟ ..وكان من بين هؤلاء الذين أُلقوا في الأُخدود امرأةً تحملُ على يديها طفلاً رضيعاً، فسألها الجندي : “هل سترجعين عن دين الله” .. فبكت المرأة خوفاً على الطفل.
ولكن يشاء الله أن يُنطق ذلك الغلام ليكون واحداً من الأطفال الذين تكلّموا في المهد .. فقال لأُمّه : “اصبري يا أُمّاهُ .. فإنّك على الحق”.
وما نتعلّمهُ يا صغاري من قصة أصحاب الأخدود هو أن قدرة الله فوق كل شيء، ولا يحدث شيء في هذا الكون إلّا بأمر الله وحده.. ونتعلّم أيضاً الثبات على الحق أمام أي ظالم وفي كل مكانٍ وأي زمان.